الجمعة، أبريل 21، 2006

كنت أريد أن أقول شيئا للعالم


( اللوحة للفنان السوري الراحل وليد قارصلي - شكر خاص للزميلة بريهان قمق )




كنت أريد أن أقول شيئا للعالم
ولو وجوهكم شطري
أنا الولد الذي انسل في ليلة السبت من بيت الأب و الأم والروح القدس
من عيون الجارات و جثث الكلاب المقتولة
من رائحة الحلم الذي لا يطاق
قاتلا ومقتولا
خارجا من العين إلى قدم السابلة
من زحام النفس إلى الكف المفرطة
كنت أريد أن أوصيكم على موتنا جميعا
كنت أريد أن توزعوا لحمي في الحارات
كنت أريد أن ترقدوا على صدري حتى أتخلص
أنا فتات الموائد والساحات والسحنة المشوهة
يا سيدينا في الأعالي
يا أمي في البيت
يا حبيبتي في عيني
يا أصدقائي في جيب القميص
يا كمنجات الليالي الأخيرة
ها أنا خارج للعالم
ها انتم تدخلون في عيني
آه يا روح الطيبين التي راحت
يالفراشات التي مضغتها
يا الحنين الذي بلا يدين
يا " متى "
يا " أنتظر "
يا " ضمي ضمي "
*
قلت يا نار كوني في العينين
لا تغاري من ضحكهم في الطرقات
ولا تلسعي سوى نفسك
دوري حول لذة النشيج
انغمسي في لعق دمك
وافرحي
قلت يا :
حبيبتي
لا تفرغي دمي من الأرض
ربي جلدي على أسفلت الشوارع
ساعدي رائحتي على تسلق الجدران
: قولي يا
حبيبي
ها أنا بنت الناس الطيبة في كل شيء
ها أنا التي ترتاح في صدرك
والتي تعد – مغمضة العينين – حتى عشرة لتظهر من مكمنك
ها التي تفرك أصابعها على جبتهك
ها التي تعطيك اسما في الشوارع
ها التي تدور بك بين الناس
ها التي تضعك على الرأس
ها التي بقايا لحمك في أسنانها
يا :حبيبي
قلت يا أمي
فتحركت الحمامات من فمي
قلت يا أم
فدخلت يد الله في عيني
قلت يا . .
فتخليت ِ عني
قولي أنت طيب في البيت
قولي أنت القريب من القلب
قولي يا حرقة البعد
، قولي يا حبي الذي لا تعرف
يا موتك الذي اعرف
قولي يا كبدي عليهم
و يا خوفي عليك
قولي ابني البكر
يا قمرة الوقت وسرداب الألم
يا شجر التين و ماء الوضوء
سائبة روحك
عينك مفتونة
و دمك الصعب
يا أنت بعيد
يا انا قريبة
. يا مسافاتنا التي تمتد
*
قلت يا رب
يا داهناً رأسي بالثواب والعقاب
يا نازلا في غمامة كل صبح
يا يدك التي تمتد للجميع
يا يدي التي لا تصلح
عودني على طعم الناس
صارت عيونهم جذورا مقلوعة
قل لي أنا أعرفك
قل لي أنت واحدهم
قل لي أنت أول الصف
قل لي يا عيونك الواسعة
قل لي يا عيوني التي تراك
قل لي يا رائحتك في الحظ
قل لي أغسلك من الناس
قل لي يا شكلك المكروب
قلي يا قلبك الطري
قل لي سترسم يدك
قل لي ستفرح أمك
قل لي سيموت العدم
قل لي ستنجو
قل لي ستكبر
قل لي ستطير
قل لي ستغني
قل لي ستعرف
قل لي ستنسى
قل لي يا صغير
قل لي
*
ماذا سوف يفعل العالم بي ؟
يماماتي المقتولة بنظر عين
و حسد الكوكب لي
أخاف على طراوة قلبي من عتمة الناصية
على يدي من فتحها دون جدوى
على عيني من صور الغربان ، من كثرة الجثث
على حبيبتي من الهدد
على أمي من النوايا
و على أصدقائي من الرائحة
و ها انتم تحلون أعضائكم في الطرقات
ها أنا ابكي على الطريق
ها هم يتبرعون في النواصي بالفرقة
يقطعون الأيادي المشبوكة
و يكسرون الكلام في الهواء
ها هم في خد البنت
في رعشة الولد
في الخوف الطارئ
في العين الهائلة
في الكلام المبتور
في الطرقات
في الشجر
في الفم
في الأسنان
ها هم
ها هم
ماذا سوف يفعل العالم بي ؟
*
سيتغير الصوت
في أذني سوف تنمو العناكب
. في رئتي سيدس العالم أصابعه المتسخة
سيتغير الشكل
في عيني ستتناسل إشارات العشاق المبهمة
في قلبي سيربون العتمة على مهل
يا رغبة تملحت قرب فمي
يا كلاما تجمد في الزمن
يا أمي التي تخشى
يا حبيبتي التي بلا أسنان
يا أصدقاء النوافير والهواء الجارح
يا نوافذ العالم المحطمة
يا شكلي في الصور
يا ضوئهم في عيني
يا صوت دمي البارد
يا رائحة الحلم المقصوص
يا قمرة تتحلل
يا سوءة الدكاكاين الفارغة
بلا طفل يمد اليد
بلا زينة لبنات المدارس
يا طعم الغصة
يا أعزاء ، يا قارصون ، يا مرتزقة
ضعوا ألوانكم في الفم
و أملئوا العينين بالصوت
انزعوا جلودكم وحكوا دم العالم
اشربوا من هذا الطريق رائحة المارة
من دمي لون التوابيت
مرة من أجلي كونوا رفقاء بأمي
طيبين مع الحبيبة
وليكن قلبكم على العالم
و أصابعكم في عينه
*
ها أنا أتحلل ببطء
عيني المعلقة في السماء تهبط عليكم
: أوصيكم على دمي
اجعلوه برّيا
يتعلق بالشجر وخدود البنات
يطلع النوافذ ليكسرها
ويدخل في يد التمثال وتحتمل
ضخوه في النهر
كي تعود الصبية المخطوفة
لونوا به الجدران
كي يتذكر المقتول ويغرق في " آه ٍ " و " لو "
: أوصيكم بالطرقات
كونوا ربانيين معها
قولوا ماسحة أقدامنا
و سيئة الحظ والسمعة
نحن أبناءك
طعمك في الفم
ورائحتك تهب المدائن عصمتها
: أوصيكم علي
" قولوا " منكوب
ذاب في العتمة حتى لا تتلقاه يد ٌ مقطوعة
نزع عيونه كي يرتفع العالم
وحين فزع من الأبواب والجثث
:كسر بخاطر الجميع
البوم
الخفافيش
و الآلات
قولوا كان ناعما
لدرجة أن أسماء سبعة لم تلتصق ببدنه
وحين تغير الصوت
سمى نفسه الرائحة
قولوا كان واسعا
حتى أن قلوبنا المعطلة
كانت تركن نفسها بين عينيه
كان طيب المذاق في الفم
كان مطروحا في الشارع العام
يأكل المارة من رئتيه
العصافير من زوايا الفم
أما العالم
العالم الكئيب
العالم كله
من فرجة صغيرة
ينهش الذاكرة
قولوا ها أنت تذوب بعدما ذاب أسلافك الهائلين
ها أنت تنحل إلى عناصرك الأولى
و شيئا فشيئا يفضحك الأبد
قولوا لتكن رقدتك على أصلك
ولتكن عينك في جوفك
قولوا لا نقبل العزاء في دارنا
زهورنا تخجل من الكلام المر
قولوا لا نحب العالم
العالم سر
قولوا لا نعرف
قولوا لا ننجو
قولوا لا نقتل
قولوا لا نحيا
و لا نموت


أوصيكم علي

ليست هناك تعليقات: