الأحد، مارس 14، 2010

عن "صحن القمر" الذي يشبه الفستق من وجوه عديدة



تشبه من بعيد ثمرة فستق ناضجة، واسعة دون إفراط، جلية دون تفريط في الحسن، شفافة كباطن كف ابن عامين، قليلة الحيلة وكأنها سقطت الآن وفورا من الجنة وسكنت منطقة ما في شمال غرب القاهرة لتجلس وتستقر وتشرب القهوة بهدوء.

ولأنها ثمرة فستق ولأنها ناضجة،، ولأنها طزاجتها تشبه فعل الولادة، ولأن شفافيتها تقود الروح إلى معانٍ أخرى كان لابد أن تجلس أمام "تحفة ربنا" ، كان لابد أن تبتسم ليزهر اللوز أكثر، وكان لابد أن يكون الصباح بنكهة الشاي الإنجليزي شديد الرفاهه، يا عبد الله كان عليك أيضا أنت تبتسم وتبدأ الحكي

العيون الخضر لم تكن إطلاقا من أسباب "الغواية" على الأقل بالنسبة لي، أفضل دون شك تلك المطلية بالبحري مع وجه شديد البياض وشعر أسود ينساب حتى منبت الكتفي حيث يلامس الخد بين حين وآخر ويطلي الرقبة بشيء من العسل وهذا ما ذهب بي إلى أوكرانيا عبر نفق رطب ذات يوم.

لكن ما حدث هذه المرة كان مختلفا، كان غجريا وبشوشا وله أصابع تكفي لتدليك الروح وسكب العسل لعلاج تصلب الشرايين. كانت الألوان حديثة الولادة، كنت عنصريا حين قلت "فستق" كنت غبيا أيضا حين وصمتها بـ " قلة الحيلة" لأن ثمة حيلة في الأمر لا يدركها المرء إلا بعد فوات الأوان.

اللون؟

اللون المراوغ، اللون الحرون، اللون الذي يتحول إلى رصاصي متحقق في الظلام، ويتغير بين الأزرق الشفاف والأخضر النجيلي مع كل تنهيدة. هل رأيت الفيل يا سمير؟ لا لكني رأيت عيونا تتنهد بمجرد النظر، بحران من فضة يسحبانك إلى أسفل، بحران شديدا الخصوبة و"الدلع"، ثمة طزاجة تتصاعد رائحتها فورا من الجرح الصغير بين الحاجبين، وثمة مفردات تتوه مع "الكحل" الذي تحرس به العين نفسها من الحسد والانهيار.

كان لابد أن تحكي، خاصة أن الكحل يحرسها، الفكرة ليست في مجرد " خط أسود" يدور مع الجفنين أينما دارا. الفكرة أيضا ليست في امتلاء العين بـإنسانها. الفكرة واللقطة والمجد كل المجد في قدرة البؤبؤ على استجلاب الحواديت. شيء ما يجعلك تلهث في "صحن القمر" الراقص بين حدود الكحل، شيء ما يجعلك تركض في "الوسيعة" حتى يملأ الونس روحك. كان عليك أن تحكي يا عزيزي، وكان عليك أن تنتشي.



2-


في الطريق إلى البيت يتضرب الأسفلت "نوبة حنان" مفاجئة، شيء من الرحمة المغطاة بكل هذا "الزفت" شيء يكشط العتمة ويزيح الهواء كأنه ستارة من الحليب المصفى. تبدأ التنفس بالزفير، رئتيك تمتلئان برائحة النرجس، وتصاب بتنميل خفيف يشطرك إلى نصفين أنت والحسن


كل ما أردت قوله أن : شكرا للبهجة التي غمرت الأسفلت، شكرا للدوخة الخفيفة، للتنميلة التي أزالت كهرباء التعاويذ، شكرا لأن تعريجة واحدة كانت كافية لفك التواءة روحي، شكرا للصحف المنتقاة بعناية مرتبك، شكرا لأن الهيئة العامة للكتاب لم تنتج شيئا يستحق الوقوف أمامه، شكرا لأن القاهرة دميمة جدا لدرجة تجعل النظر إلى غير "تحفة ربنا" مجرد مزحة سخيفة من مدينة لا تساوى عند قلبي شيئا


3-

صلاح سالم، الغجري الذي أرق عبد الناصر، صلاح سالم الذي صرخ في وجه البلد فخرجت عشرات المدراس والحواري والدكاكين بمدموغة بثقل الغجر وطراوة العتمة .. صلاح سالم المشحون بالكبرياء، صلاح سالم الذي شهد اغتيال رئيس وفرح طفل في السابعة والعشرين بلمسات خفيفة لامتحان الأنوثة، شكرا يا صلاح سالم، شكرا لأنك هادئ كميت، وبارد كمن لا يشعر بكل هذه الخفة التي تسير إلى جواري .. شكرا