الأربعاء، أبريل 19، 2006

اسمي أحمد



اسمي أحمد
هكذا ولو كانت أصابع اليد اليمنى للقابلة
أكثر طولا
كان من الممكن أن يكون لي أنف أدق
لكن حين طرحتني من الدفء إلى الشارع العام
ووضعت يدها السمينة على أنفي
عرفتُ
أن علي أن أمشي وحدي
وفيما أكره اللون الخانق للإسفلت
تحبني القطط
أما الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
فيقولون كلاما غريبا عني
ويكورون دمي على شكل كابوس
كي يفرشوا طريق الرب الطويل
عرفتُ أيضا
أن أحدا ما لن يلتفت لعبوري السريع
من البيوت خفيفة الظل إلى الظل الذي بلا بيوت تحميه من الهواء والضجة
ربما يشير عليّ أحدكم بالتصرف المناسب
حين يكتبون اسمي بحروف ميتة
ويقولون عنه في أماسيهم
يا خسارة
ولد ٌوله أسم قصير
لا يثير الريبة في عيون الناس
ولا يتعرف عليه أحد ٌ في الزحام.
*
اسمي أحمد
ولو أن الله يحبني أكثر
لسماني باسمي
ولجعل يد القدرة تخطف لساني
كيلا أنطق بحروفٍ معوجة
فيما يفر الحمام من فمي
لو أنه أحبني أكثرلقال لي:
"وضعت ما بين عينيك على مقاسك
وما بين أصابعك..
تركته للمساكين"
لكان أنفع لي بكثيرٍ
أن أصبح كلبا في السكك
أمر على مقاهي الفتيات ذوات العيون الواسعة
فيخفنَ مني
أهبطُ في عتمة الليل إلى الشارع العام
فتتحاشى السيارات المسرعة
دمي المتجلط على الإطارات
ويمكنني في اللحظة ذاتها
أن أقطع الطريق على رئيس الجمهورية
أن أهز ذيلي و أحرك الفخذين للأمام
هكذا أنبل بكثير
من أن يكون اسمك أحمد
و لكَ فمٌ لا ينطق الكلام بشكل سليم
وحتى الحمام الذي لا يتريث قبل خروجه من فمك
يحزُّون رأسه بهدوء ٍ على الشفتين
*
قلتُ يا سلام
لو كانت لي ضفائر
وشكلا مريحا في الصور الفوتوغرافية
ألم يكن من الأفضل بالنسبة للعالم
أن تكون لي أسنان بيضاء
ورئة غير مصابة بالدخان
ويا سلام لو كانت عيوني خضراء
ولديّ الكثير لأتفرج عليه بدلا من صور القتلى
أليس جيدا بالنسبة للأب والأم معا
أن يكون لديهم لعبة تشغلهم عن المساءات السريعة
أيضا كان يمكن أن يتسلى بي الأقارب
حين تضفر أمي جديلتين بلون الفحم
وتدهن رأسي بالدعوات والزيوت
سأغني كل الأغاني التي يمكن لبشري أن يحفظها
سأقول ما بوسعي كي أبدو لامعا
وأنا متأكد أن العالم كان سيفرح بي كثيرا
حين أقوم من النوم دون أن أبلل نفسي
على الأقل مرة كل أسبوع
سيكون من الممتع أن أتصالح مع شكلي في البيوت خفيفة الظل
حتى صوت الضحك العالي يمكنني خفضه
ويمكنني أيضا
شنق نفسي بالضفيرة
خاصة ًفي حالات الضجر
و الخوف من الذاكرة .
*
قلت لواحد قابلته صدفة
ماذا لو نتبادل أسماءنا خلسة؟
كان سعيدا جدا حين قلت له أني أحب اسم " زياد "
لكني كلما اقتربت منه
مط شفتيه في قرف من اسمي العادي
وربما كانت فكرة شيطانية في رأسه
حين قال لي إن بوسعه التنبؤ بالمستقبل
فرحت كثيرا حين قال لي لا تكترث
لن تموت مقتولا كما حلمت
ولن تموت أصلا
ستصبح شجرة في الخرائب والطرقات
وسيمر من جانبك العشاق
ويحاولون بالأظافر والأقلام
كتابة الأشياء المهيبة على خدك
أيضا سيفرح بك العالم
لأنك وحدك
صدقت أن هذه الأشياء على خدك
يمكن أن تخرج من الفم
بعد قليل سيتذكر العالم أيضا
أنك ذكرى سيئة للعاشقين حين يفترقان
وأنك لا تصلح بالطبيعة لطأطأة الرأس حسب اتجاه الريح
فيأخذ منك أسمك
ويتركك في البرد
*
راهنت على عمري مرتين
مرة حاولت أن أكسر يدي بنفسي
قالوا لي أن يداً مكسورة
أفضل بكثير بالنسبة لك
ربما
لن تمدها في الطرقات فيضع فيها الغراب صغاره
وربما
لن تجد الفرصة للفرح القاتل
و حين تتقابلان بشكل محموم
ولا تكتفيان بهز الرأس والكتفين
سيكون عليك أن تقطع يدك من أسفل الرقبة مباشرة
من يدري
ربما بعد قليل
تجد أنه لا لزوم لليدين
وتندم على كل هذا الألم الذي عبرها من خلالك
ربما تصاب بالحسرة
لو كانت يدك أقصر قليلا
ويدها عادية ليست كيد عازفة بيانو
- ذات يدين من سندس -
كان يمكنكما أن تسيرا ببطء أكثر
ببطء متزايد
حتى تتوقفا على أقرب ناصية في الشارع
وحيث تكون الاتجاهات حتمية
وينكشف الهدف الحقيقي
لكل هذه الميادين والنواصي التي تملأ العالم
ستكفي يدك المقطوعة
كدلالة صوفية
على المستقبل
.
.
مرة
وفي شارع ٍ آخر
اكتشفته فجأة يسير على مهل
ولا يمنحك فرصةً واضحةًللهرب ْ
سألتني صديقة:
ماذا يعني أن يخرجوك من الهناءة
ويطالبوك بصورة دائمة
حين تصرخ من الجوع
أن تأكلَ نفسك
وحين تتكلم عن غباء المعنى
أن تتقي الله
وحين تجد أن لديك الفرصة للضحك وفعل الأشياء الصحيحة
يهددونك بالكلام المدبب
ويعيرونك بجلوسك وحيدا في الليل
وفيما يخرجون من الشقوق ليجبروا الهواء على الاكتراث بهم
يحملون أسماء ً مصففة بعناية أبٍ حقيقي وأم ٍ قادرة على الكلام
وحين تجلس في الليل
وحدك تتعرض للضوضاء
وتنزع اسمك الحيادي
تتذكر أنك ولدت في نفس العام الذي مات فيه الجميع
كان وقتها ليلة النصف من شعبان
وكان هواء الغرفة يجرح أمك بالتأكيد
أما الأشكال المختلفة للمخاض
فقد وفرتها يد ٌخبيرة
عرفت بهدوء يليق بحفار قبور ٍ متمرس
أن البطن التي تحملك
ستسميك باسم عادي
فلن يكون لك لسان يخصك
وينطق الكلام بشكل صحيح
ولن يحبك الله أكثر من إخوتك
كي يجعلك كلبا في السكك
لذا شدتك اليد الحازمة من الداخل
وألقتك في سهلة المهملات
أيضا حاولت أن تتلافى الحسد قالت:
" بنت"
لكنها لم تكن تعرف بالتأكيد
أنني حتى الرابعة كنت أتكلم بضمير المؤنث
وأنني إلى الآن
أجد حرجا في التصريح بالنوع
ربما يذكرني هذا أيضا
بالشكل الذي كان يجب أن أكون عليه
بلا لحية ٍ ولا شعر إبطين
كان يجب أن أخرج للعالم على شكل كرة
ليدفعني الأطفال في طريقهم إلى المدرسة
ويخفونني عن الشمس وعيون الآباء
وحين يرتاحون للعالم الساكت
يخرجونني من مخابئهم السرية
يدفعونني بحذر ٍ على درج البيت إلى البراح
متخيلين أفلام الكرتون وولع الكبار بالقطيعة
لتصبح لديهم القدرة
على قذفي بعيدا
هناك
حيث لن يجدني أحد.
*
اسمي أحمد
لا أعرف سببا واحدا لذلك
يقول أبي لأصدقائه:
"سميته من القرآن مباشرة
جعلت له عند الله أيادٍ بيضاء
وقلتُ في سري
لو خاب أملي فيه سيكون نبيا"
لكن حين فتحتُ الكتبَ المقدسة
وجدت أن الله لن يحبني بالشكل المطلوب
فلم يذكرني سوى مرة واحدة
ورغم أني أحبه كثيرا
وضع اسمي في نبوءة مشوشة
كانت الحافز الرئيسي
ليتقاتل العالم من أجل التأكد عدة مرات
أما أمي
فتذكر على الفور
أن خياراتها لي كانت محدودة
فلم تستطع أن تمطَّ شفيتها في قرف من سذاجة الاسم
لكن اقتراحاتها لم تخرج عن أشياء من هذا القبيل
حاولت جدتي أن تسميني محمد
تنهدت بحسرة
على الأقل يصبح نبيا حين يفشل في دراسته
ولو على القرآن
فهناك سورة كاملة ستكون باسمه
لكن أحدهم اعترض
فماذا ينفع العالم
لو صرت نبيا
يخيب آمال أبيه
ويفشل في المدرسة؟
وماذا سيكون عليهم أن يتحملوا
حين يكفر بك الجميع ويرموك بالحصى والكلام الفارغ؟
ذكرتني صديقتي:
" كان من الممكن أن يشتموا أمك بلا سبب
ويقولوا عن إخوتك كلاما يتنشر بسرعة
فماذا يفعل بك العالم
لو صرتَ نبياوسبَّ أمك بائعو الخضر؟ "
حتى لو صرتُ نبيا
لن يكون ممكنا بالنسبة
أن أرى نفعاً للعالم
بعد كلّ هذا الطابور الطويل من الأنبياء
أن يأتي نبي ليكرر نفس البدايات
وحين يسيل دمي في الطريق كالعادة
سترى القطط أنني مختلف
وسيرفض الله بشدة
مسألة أن يحول نبيا إلى كلب
أما الأصدقاء
فلن يغيروا رأيهم فيّ
سيقولون عني "خائب لم يستطع أن يحلم بشكلٍ صحيح"
ويتركون لي هواءهم في الشقة الضيقة
حتى الشقة
تلك التي تعرفني بمجرد اللمسل
ن تكون ملاذا آمنا لنبي
يعلق صورا ً لإخوته على الجدار
ويختلس النظر للعالم
ولن يمكنني أن أقطع يدي
نظرا لحاجة العالم لنبي بيدين
يمشي عليهما في الشارع
كي يعجب الناس
وحين يحاول أن يتفادى تقاطعات الطرق
سيتهمه الأصدقاء بالتقليد
سيقولون كلاما كثيرا مع هز الرأس والتّفهّم
عن سرقات متعمدة لنصوص يوحنا
و تطويراً ساذجا لنموذج المسيح
أما حين يحاول أن يتكلم مع الناس بحروف ٍمكسورة
ويرون الحمام يخرجُ من الفم
سيقولون ما هذا إلا سحر ٌ مبين
ويسمون أولادهم بأسماء أجدى نفعا
على الأقل لتجنبِ خيبة الأمل
وجلبِ الحظ لتلاميذ المدارس
ورغم ذلك سيصحبون أولادهم من أجل الفرجة
إلى المكان الذي لابد أن أكون فيه بصورة دائمة
بيدين كاملتين
وبدن ٍ مرقع
أقفُ على النواصي
وأحاول مد الجسور بيني وبين العالم
فليس ممكنا
أن أرى كل هذا التمني
فيما أجلس وحيدا في الليل
أتمنى أن أقطع يدي من أسفل العنق مباشرة
وأحلم برجل وامرأة
متساويين في الخرافات والخيارات العديدة
يفضلان الضفيرة على اللحية
وغناء البنت على إطلاق الرصاص
يقطعان الحديث عن المستقبل
ويقدران الخيبة البشرية
وحين يجدان نبيا لا يريد أن يكون كذلك
يتفهمان الأمر
ويتركان لسانه المتكسر
دون حساسية
يطمئن الحمامات القتيلة
أن دمها على الشفتين
مذكورٌ في الكتب المقدسة
ليس عادياً جداً
و ليس اسمه أحمد.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

تحية طيبة يا أحمد
أراك كبرت
ولكني أرى عقلك قد ذهب
(حين يكفر بك الجميع ويرموك بالحصى والكلام الفارغ؟)
أراك أنت من رميت نفسك بالحصى وشتمت الجميع بالكلام الفارغ
كفاية لعبا بالألفاظ يا أحمد
كفاية كفاية كفاية
.............
صديقك القديم